أدب الأطفالتاريخسلايد 1
تاريخ أدب أطفال
تألف قديمًا أدب الأطفال من القصص والأغاني والقصائد المنطوقة التي استخدمت لتعليم الأطفال وتعليمهم وترفيههم. وفي القرن الثامن عشر، ومع تطور مفهوم الطفولة، بدأ ظهور نوع منفصل من أدب الأطفال، مع أقسامه وتوقعاته وشرائعه. أقدم هذه الكتب كانت كتبًا تعليمية تتحدث عن السلوك والحروف الأبجدية وغالبًا ما تتزين بالحيوانات والنباتات والحروف المجسمة.
جادل المؤرخ الفرنسي فيليب أريز عام 1962 في كتابه قرون الطفولة بأن المفهوم الحديث للطفولة لم يظهر إلا في الآونة الأخيرة. ويوضح أن الأطفال كانوا في الماضي لا يعتبرون مختلفين كثيرًا عن البالغين ولم يتلقوا معاملة مختلفة بشكل كبير. وكدليل على هذا الموقف، يلاحظ أنه بالإضافة إلى النصوص التعليمية والتربوية للأطفال الذين كتبهم رجال دين مثل بيدا وألفريك من أينشام، فقد كان هناك نقص كبير في أدب الأطفال قبل القرن الثامن عشر.
قام علماء آخرون بدعم وجهة النظر هذه من خلال الإشارة إلى أن هناك أدبًا مصممًا لنقل القيم والمواقف والمعلومات اللازمة للأطفال داخل ثقافاتهم، مثل: مسرحية دانيال من القرن الثاني عشر. وأن أدب الأطفال قديمًا كان ذو طابع تعليمي وأخلاقي، بغرض توصيل الدروس المتعلقة بالسلوك والتعليم والدين.
بداية أوروبا الحديثة
خلال القرن السابع عشر، بدأ مفهوم الطفولة في الظهور في أوروبا. ورأى الكبار الأطفال ككائنات منفصلة بريئة ويحتاجون إلى الحماية والتدريب من قِبل البالغين من حولهم. قام البروفيسور الإنجليزي جون لوك بالتحدث عن نظرية “الصفحة البيضاء” في كتابه مقالة حول التفاهم الإنساني في عام 1690. ففي نظرية الصفحة البيضاء قال جون لوك أن الإنسان عند ولادته يكون عقله كصفحة فارغة ولا يوجد لديه قواعد لاستيعاب المعلومات، وأن تلك القواعد والمعلومات تبدأ بالتجمع من خلال تجربة الطفل الحسية. توصل جون لوك من خلال فلسفته إلى ان من واجب الوالدين أن يعلموا طفلهم المفاهيم الصحيحة، وأكد لوك على أهمية تزويد الأطفال بكتب ممتعة من أجل تطوير عقولهم بدلًا من استخدام القوة لتعلميهم وقال أيضًا «أن الأطفال قد يجبروا على تعلم الحروف، والقراءة ظنًا منهم أنها رياضة وبهذا يصبح الأطفال خاضعين لكلام غيرهم»، ولذلك اقترح أيضًا إنشاء كتب مصورة للأطفال.
أثرت حركة البيوريتانية على كتب الأطفال والتي تشدد على أهمية الخلاص للفرد. أهتم البيوريتاني بالروحانية وحاولوا تعليم أولادهم ذلك، ولذلك كان هناك تزايد في نشر “الكتب الدينية الجيدة” المخصصة للأطفال. ومن أكثر الكتب شهرة لتلك الفترة هي كتب جيمس جاينواي، ولكن الكتاب الذي حقق أكثر شهرة وظل يُقرأ للأن هو كتاب “رحلة الحاج” للكاتب جون بنيان عام 1678.
نُشرت في بريطانيا كتب “تشابوك”، وهي كتب صغيرة بحجم الجيب تم طيها في الغالب بدلًا من أن تُخيط طباعتها بالخشب. ان هذه الكتيبات غير المكلفة أعادت طبع القصص الشعبية والقصص التاريخية، والحكايات الشعبية. على الرغم من عدم نشرها خصيصًا للأطفال فقد استمتع الشباب بالكتيبات أيضًا. ويقول يوهانا برادلي، في كتابه “فروم تشاببلز تو بلوم كيك” أن كُتب تشابوك منعت القصص الخيالية من الاندثار بسبب الحكم البيوريتاني الصارم.
ظهر كتاب هورنبوكس أيضًا في إنجلترا خلال هذا الوقت، حيث قام بتعليم الأطفال المعلومات الأساسية مثل الأبجدية والصلاة الربية، وتم جلبها من إنجلترا إلى أمريكا البريطانية في منتصف القرن السابع عشر. يُعد أول كتاب من هذا النوع هو التعليم المسيحي للأطفال الذي كتبه البروتستانتي جون كوتون، والمعروف باسم “الحليب الروحي لأطفال بوسطن” تم نشره في عام 1646، وظهر في كل من إنجلترا وبوسطن. ومن الكتب القديمة أيضًا كتاب “ذا نيو انجلاند برايمر” الذي كُتب سنة 1691 ودُرس في المدارس لمدة مئة عام. يبدأ الكتاب “بصلاة الصباح للطفل” وينتهي بصلاة المساء. ثم يعرض الكتاب الأبجدية والحروف الساكنة والحروف المزدوجة والمقاطع قبل تقديم قافية دينية بداية من “سقوط آدم لقد أخطأنا جميعًا …”. ويحتوي أيضًا على أقوال دينية وأسماء مختصرة ومساعدة إملائية ومواد تعليمية أخرى، وكلها مزينة بنقوش خشبية.
أصبحت “حكاية الحكايات” عام 1643 في إيطاليا أول مجموعة منشورة رئيسية للحكايات الشعبية الأوروبية. وبدأ تشارلز بيرولت بتدوين الحكايات الخيالية في فرنسا، ونشر مجموعته الأولى في عام 1697. لم يتم استقبالهم جيدًا في أوساط المجتمع الأدبي الفرنسي، الذي رأى أنها مناسبة فقط للمسنين والأطفال. في عام 1658، نشر جان آموس كومينيوس في بوهيميا كتاب “اوربس بكتوس” الذي أرفق به صور للأطفال تحت سن السادسة الذين يودون تعلم القراءة. وتم اعتباره أول كتاب مزود بالصور من أجل الأطفال.
يُعد أول كتاب دنماركي للأطفال هو “مرآة الطفل” للكاتب نيلز بريدال في عام 1568، والتي كتبها للتكيف مع كتاب مجاملة للكاتب الهولندي إيراسموس. أصبح كتاب “المرأة العذراء الجميلة” أول كتاب أطفال سويدي ونُشر عام 1591 والذي هو مقتبس من كتاب ألماني للسيدات. نشرت السويد مجلة للأطفال بحلول عام 1766.
أصدر جيوفاني فرانشيسكو سترابارولا في إيطاليا كتاب “الليالي الطريفة لسترابارولا” في عام 1550، وكان أول كتاب قصص أوروبي يحتوي على قصص خرافية، وفي النهاية كان لديه 75 قصة منفصلة وموجه لجمهور بالغ، واستعار جوليو سيزار كروس أيضًا من هذه القصص لكتابة كتبه.
ظهرت كتب الأطفال للمرة الأولى في روسيا في وقت مبكر من القرن السادس عشر ومن الأمثلة على ذلك كتاب الأبجدية، وهو كتاب أبجدي نشره إيفان فيودوروف في عام 1571. ظهر أول كتاب مصور في عام 1694وتم نشره في روسيا، وهو كتاب “كاريون إيستومين التمهيدي”. اهتم بطرس الأكبر بجعل روسيا متحضرة من خلال التشبه بدول الغرب مما أدى إلى أنتشار أدب الأطفال الغربي خلال القرن الثامن عشر. كتبت كاثرين العظيمة حكايات رمزية للأطفال، وخلال عهدها، بدأ نيكولاي إيفانوفيتش نوفيكوف أول مجلة للأطفال في روسيا.
أصول الفئة الحديثة
ظهر كتاب الأطفال الحديث في منتصف القرن الثامن عشر، في إنجلترا مع تزايد أعداد الطبقة الوسطى مجتمعةً مع نظريات جون لوك عن براءة الطفولة ساهم ذلك بدراسة مفهوم الطفولة. يعد كتاب “الجيب الصغير الجميل”، الذي كتبه ونشره جون نيوبري، على نطاق واسع أول كتاب حديث للأطفال نُشر في عام 1744، ويُعد حدثًا مهمًا كأول عمل أدبي للأطفال بهدف المتعة، فاحتوى على مزيج من القوافي والقصص المصورة والألعاب للمتعة، وكان نيوبيري يؤمن بأهمية تعليم الطفل السلوك الصحيح بدلًا من التأديب البدني فكأن الطفل يراقب سلوكه بنفسه يوميًا. كان الكتاب بحجم مناسب للطفل مع غطاء ذو ألوان زاهية والتي بدورها تجذب الأطفال لاحقًا أصبحت تعرف بكتب الهدايا). ووفقًا لمجلة “ذا ليون اند ذا يونيكورن” كان نيوبيري عبقريًا في تطوير كتب الأطفال، من خلال إعلاناته المتكررة وحيلته الذكية المتمثلة في إدخال عناوين ومنتجات إضافية في نصوص كتب أطفاله.
أصبح نيوبري من أفضل كٌتاب أدب الأطفال بسبب تحسينه لنوعية كتب الأطفال بالإضافة إلى تنوع موضوعاته. فقد نشر كتب عديده له بالإضافة لكاتبين آخرين هما سامويل جونسون وأوليفر جولد سميث، وكان أشهر كتاب له “جودي الصغيرة والحذاء”. ألهم الفيلسوف جان جاك روسو العديد من كُتاب أدب الأطفال، وجادل قائلًا على الأطفال أن يكبروا في بيئة طبيعية وسعيدة فقامت فكرته حول جذب الطفل من خلال اهتماماته الخاصة. ألهمت فكرته كُتاب أدب الأطفال ومثال على الأعمال المشهورة كانت كتاب توماس داي “تاريخ ستانفورد وميرتون”، والذي احتوى أربع مجلدات تنافس نظرية روسو، بالإضافة إلى ماريا ايدجوورث وريتشارد لوفيل ايدغورث في كتابه “التعليم العملي: تاريخ هاري ولوسي” في عام 1780، والذي حث الأطفال على التعلم الذاتي.
حظيت أفكار روسو بشهرة واسعة في ألمانيا، وخاصة في الحركة الألمانية الخيرية الإصلاحية، وهي حركة تهتم بإصلاح التعليم والأدب لجعله ملائمًا للأطفال وكان مؤسس هذه الحركة هو جوان بيرنارد بايسدو والذي كتب كتاب “ايليمنت ورك” فأصبح من أشهر كُتاب الأطفال، واستعان بدانييل تشودوويكي الذي كان تابع لنفس الحركة بأن يضيف رسومات لكتابه. ومن التابعيين أيضًا للحركة كان الكاتب جوتشام هينريك كامب الذي كتب كتاب مستوحى من قصة “روبنسن كروزو” والتي بيعت منها أكثر من مئة طبعة وأصبح بذلك أفضل كاتب حديث في أدب الأطفال ووفقًا لهانز هينو يورس في الموسوعة المشاركة لأدب الأطفال «أن تاريخ أدب الأطفال كُتب معظمه في ألمانيا ولكن تُعبر هذه نقطة جدال ليومنا هذ.»
ساهم الأخوان غريم في حفظ ونشر القصص الخيالية التقليدية والتي وجدوها في ألمانيا، وحظيت بصيت واسع حتى أنها تفوقت على أدب الأطفال الواقعي واستمر النفور من القصص الغير تقليدية حتى بداية القرن الذي يليه. تعدت مساهمة الأخوان غريم كتابة القصص، ولكن منصبهم كأساتذة جعلهم مهتمين في البحث عن تلك القصص والمحافظة عليها والتأكد من مصادرها.
قام كُلًا من الباحثين النرويجيين بيتر أسبيورنسن ويورغن مو بتنفيذ مشروع مشابه للأخوان غريم، حيث قاما بجمع القصص الخيالية ونشرهم تحت عنوان “الحكايات الشعبية النرويجية” والتي أطلق عليها “أسبيورنسن ومو”. ومن خلال تجميعهم للقصص حافظوا بذلك على الأدب النرويجي وساعدوا في كتابة اللغة النرويجية. سافر الكاتب الدنماركي هانس كريستيان أندرسن في أوروبا وجمع العديد من القصص والحكايات الخيالية وبذلك قام بأنشاء فئة جديدة في القصص الخيالية.
في عام 1816، قام جوان دايفيد وايس بنشر كتاب عائلة روبنسون السويسرية في مجموعة قصصية ألمانية لأدب الأطفال “كيندر مارتشين”، فكانت أول قصة قصيرة حديثة تقدم عناصر غير مألوفة ومخيفة في أدب الأطفال؛ وبالتالي مهد الطريق لقصة لويس كارول “أليس في بلاد العجائب “. وهناك أوجه شبه عديدة بين القصتين فهي تتحدث عن “فتاة تخوض مغامرات في بلاد العجائب”، وأيضًا أهدى كاتب القصة كتابه لصديقة ابنته.
العصر الذهبي
حدث هُناك نقلة نوعية في فئة أدب الأطفال في منتصف القرن التاسع عشر؛ فالتعليم أصبح أكثر مرحًا واحتوى على كتب مخصصة للأطفال، والتي كانت أكثر انسجامًا مع خيال الطفل. وأصبح أدب الطفل متاحًا بشكل أكبر بسبب انتشار الطباعة مما زاد عدد الناس القادرين على القراءة. عندما نُشر كتاب أيام توم بروان المدرسية في عام 1857 للكاتب توماس هيوز، اُعتبر الكتاب المؤسس لتقليد كتابة كتب المدرسة، ومع ذلك يُشير كتاب لويس كارول أليس في بلاد العجائب الذي صدر عام 1865 إلى تغير طريقة الكتابة للأطفال فتحولت إلى كتابة تشمل الخيال والعاطفة. يعتبر كتاب “تحفة إنجليزية كُتبت للأطفال” مؤسس للأدب الخيالي، سميت بريطانيا وأوروبا هذا العصر بالعصر الذهبي لأدب الأطفال واستمر بذلك حتى القرن العشرين. من خلال قصة أليس في بلاد العجائب يُلاحظ أن القصص الخيالية لها واقع تاريخي، ومن خلالها أيضًا سنرى العالم من وجهة نظر الطفل فجعلنا لويس كارول نرى العديد من ظواهر الحياة المعاصرة. أن الغرابة الموجودة في القصص الخيالية ما هي إلا طريقة الكاتب في التهكم والسخرية من المشاكل العديدة التي عانت منها الحقبة الفكتورية. فكأن لويس كارول يسخر من الحياة المنظمة والرتيبة للحقبة “الذهبية الفكتورية”.
من الكتب التي حازت على شهرة واسعة، كان كتاب مارك توين “توم سوير” في عام 1876 والذي أعتُبر أول “كتاب للفتيان”. كان الكتاب مخصص للأطفال ولكنه لاقى أعجابًا من الكبار أيضًا، ولقد تم تصنيف هذه الكتب حسب الموضوع الذي شمل القتال والعمل. ومن أهم الأعمال لذلك الوقت كان أطفال الماء للكاتب تشارلز كينجسلي عام 1862 والتي لاقت شعبية وتعتبر ليومنا عمل كلاسيكي بريطاني لأدب الأطفال.
في عام 1883، كتب كارلو كولودي أول رواية إيطالية وهي مغامرات الدمية بينوكيو وتم ترجمتها أكثر من المرة. وفي تلك السنة قام إيميليو سالغاري (وهو الرجل الذي عُرف لاحقًا بالكاتب المغامر الشاب في إيطاليا) بنشر أول شخصية أسطورية ساندوكان ونشر في بريطانيا كتاب الأميرة والعفريت وكتب جورج مكدونالد جزء ثانٍ أسماه الأميرة وكوردي، والذي نُشر بين عام 1872 و1883. كانت قصص روبرت لويس ستيفنسون مشهورة جدًا في القرن التاسع عشر ومن أهم أعماله جزيرة الكنز والمخطوف.
نشر روديارد كبلينغ كتاب الأدغال في عام 1894، وكتب جيمس ماثيو باري قصة بيتر بان المأخوة من رواية “بيتر وويندي” في عام 1911.
ازداد الطلب على أدب الأطفال في الولايات المتحدة بعد الحرب الأهلية الأمريكية في عام 1865، فقام ويليام تايلور آدامز بنشر أكثر من 100 كتاب مخصص للفتيان. وفي عام 1868 أصبح كتاب نساء صغيرات أشهر كتاب في عصره والذي تحدث عن السيرة الذاتية الخيالية ل لويزا ماي ألكوت، أن هذه الرواية التي تحدث عن بلوغ سن الرشد، أصبحت فئة جديدة في الأدب العائلي الواقعي في الولايات المتحدة. نشر مارك توين كتابه توم سوير في عام 1876. ومن الكتب الأكثر مبيعًا كان كتاب ” العم ريموس” وهو مجموعة من القصص الأفريقية الشعبية والتي نُقلت وجُمعت بواسطة جويل تشاندلر هاريس.
أصبحت العديد من روايات الأطفال في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين تحتوي على قصص وعناصر واقعية. ومن أشهر تلك الأعمال هي جزيرة الكنز للكاتب روبرت لويس ستيفنسون والذي كتبها في عام 1883، وكتاب ” آن اوف غرين غايبلز” والذي كُتب في عام 1908، وكتاب نساء صغيرات والذي كُتب في عام 1869 للكاتبة لويزا ماي ألكوت.
المصدر: ويكيبيديا